سعر التعادل المالي للنفط في السعودية يرتفع بسرعة
سعر التعادل المالي للنفط في السعودية يرتفع بسرعة
تُعد المملكة العربية السعودية إحدى القوى العظمى في قطاع النفط؛ فهي ليست فقط أكبر
مُصدر للنفط الخام في العالم، بل تتميز أيضًا بأقل تكاليف إنتاج في العالم، حيث تبلغ حوالي 10 دولارات فقط للبرميل.
وعندما يأتي حوالي 75% من إيراداتها المالية من النفط، فإن هذا يعد أمرًا بالغ الأهمية.
ولفترة من الزمن، كان سعر التعادل المالي للنفط في المملكة – أي السعر الذي تحتاجه السعودية لتحقيق التوازن في ميزانيتها – في وضع مريح.
لكن هذا يتغير الآن، حيث تتجه المملكة نحو تنفيذ مشاريع إنفاق ضخمة كجزء من رؤية 2030 التي تهدف
إلى تحديث الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط. ومع مرور كل عام، يزداد سعر التعادل المالي المتوقع، مما يزيد العجز المالي في المملكة.
في مايو 2023، توقعت صندوق النقد الدولي أن يصل سعر التعادل المالي للسعودية إلى 80.90 دولارًا للبرميل، مما أعاد المملكة إلى العجز المالي بعد أول فائض لها منذ نحو عقد. أما أحدث توقعات الصندوق في أبريل فقد وضعت هذا الرقم عند 96.20 دولارًا للبرميل في عام 2024، بزيادة تقارب 19% عن العام السابق، وأعلى بنحو 32% من سعر برميل خام برنت الحالي الذي يتداول حوالي 73 دولارًا حتى مساء الأربعاء.
وقالت لي تشين سيم، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “على الأقل حتى عام 2030، ستحتاج السعودية إلى إنفاق كبير على الميزانية بسبب الحاجة إلى تحقيق نتائج ملموسة في المشاريع الرئيسية لرؤية 2030 والاستعداد لاستضافة أحداث رياضية وثقافية كبيرة مثل كأس العالم 2034 وإكسبو 2030”.
وأضافت: “مع تزايد العرض المتوقع للنفط من الولايات المتحدة، غيانا، البرازيل، كندا، وحتى الإمارات، وربما نمو
الاستهلاك الضعيف في الصين، أكبر عملاء النفط في المملكة، فإن سعر التعادل المالي قد يصل إلى حوالي 100 دولار”.
يُضاف إلى ذلك متطلبات الإنفاق الداخلي لصندوق الثروة السيادي السعودي الضخم، صندوق الاستثمارات
العامة، الذي يدعم مشاريع ضخمة مثل نيوم. ووفقًا لتوقعات بلومبرغ التي أشار إليها نومورا لإدارة الأصول، فإن سعر
التعادل المالي هذا العام، بما في ذلك إنفاق الصندوق، قد يصل إلى 112 دولارًا للبرميل.
وفي تقرير نشرته نومورا في 2 سبتمبر، أشار إلى أن المملكة، رغم ثروتها وزيادة الإنفاق الحكومي خلال العقد الماضي، تعمل
ضمن معايير مالية يجب عليها الالتزام بها مثل أي دولة أخرى. وأضاف التقرير أن مؤشرات اقتصادية هامة مثل إنتاج وأسعار
النفط بدأت تُظهر إشارات تحذيرية، وأن تباطؤ الاقتصاد العالمي وسط عدم اليقين في الإمدادات قد يعوق فرص الاقتصادات المعتمدة على الهيدروكربونات.
هل يهم سعر التعادل المالي للنفط حقًا؟
لكن مهلاً – يجادل بعض الاقتصاديين والمحللين بأن أسعار التعادل المالي ليست دائمًا بالقدر الذي يظنه
الناس، ولدى السعودية مجموعة من الخيارات لإدارة العجز وأسعار النفط غير المثالية.
وقال أحد محللي الطاقة المختصين بالمملكة، الذي فضل عدم ذكر اسمه: “الحقيقة هي أن الدول تعاني من العجز طوال
الوقت، وبالتالي فكرة أن السعودية تحتاج إلى 112 دولارًا للبرميل لا تعكس حقيقة الوضع”.
وأضاف: “بالنسبة للسعودية، لديها قدرة كبيرة على تحمل المزيد من الديون إذا أرادت، وليس من الصعب عليها إدارة عجز بسيط”.
لدى المملكة احتياطيات قوية من العملات الأجنبية، والتي نمت إلى أعلى مستوى لها في 20 شهرًا لتصل إلى 452.8 مليار دولار في يوليو، كما أنها نجحت في إصدار السندات والاقتراض من الأسواق المالية، حيث جمعت حتى الآن 12 مليار دولار هذا العام. ويتوقع المحللون أن
ترتفع إيرادات النفط في عام 2025 عندما تنتهي تخفيضات الإنتاج التي فرضتها أوبك+، والتي تحملت السعودية الجزء الأكبر منها.
ووفقًا لما قاله المصدر، “من هذه الزاوية، هم ينطلقون من موقع قوي نسبيًا”.
وأضافت لي تشين سيم أن الدين العام للمملكة نما من حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي في العقد الثاني من الألفية إلى 24% اليوم، وهو ارتفاع كبير. ولكن بالمقاييس الدولية، يظل هذا الرقم منخفضًا؛ حيث يبلغ متوسط الدين العام في دول الاتحاد الأوروبي 82%، وفي الولايات المتحدة 123% في عام 2023.
مشاهدة مقابلة مع مساعد وزير الاستثمار السعودي
إن مستوى الدين المنخفض نسبيًا والتصنيف الائتماني المرتفع يسهلان على السعودية الاقتراض عند الحاجة.
كما أطلقت المملكة سلسلة من الإصلاحات لتعزيز الاستثمار الأجنبي وتقليل المخاطر، وتنويع مصادر الدخل.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد السعودي تقلص لأربعة أرباع متتالية، إلا أن النشاط الاقتصادي غير النفطي
نما بنسبة 4.4% في الربع الثاني على أساس سنوي، مقارنةً بارتفاع بنسبة 3.4% في الربع السابق.
وذكر تقرير نومورا: “الخبر الجيد هو أن الاقتصاد يحرز تقدمًا في مسار التنويع وقد امتص بالفعل التخفيضات
الكبيرة في الدعم وزيادة ضريبة القيمة المضافة، بينما نجح في خلق عدد كبير من الوظائف”.
وأشار التقرير أيضًا إلى أن المملكة “ما زالت تفتقر إلى الحجم المطلوب من الاستثمارات الأجنبية
المباشرة”، إلا أن القانون الجديد للاستثمار من شأنه أن يقربها من تحقيق هدفها المتمثل في بناء قطاع غير نفطي أكبر بكثير.
ومع ذلك، تظل المخاطر قائمة، وخاصة إذا استمر الطلب على النفط ضعيفًا في الدول الرئيسية
المستهلكة، واستمر نمو إمدادات النفط من دول غير أعضاء في أوبك+، وفقًا لسيم. وتلك المخاطر خارج نطاق سيطرة السعودية بالكامل.
وقالت سيم: “فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فإن الخطر الأكبر هو احتمال اندلاع حرب رسوم جمركية متبادلة
بين الصين والولايات المتحدة أو أوروبا”. وأضافت: “قد يؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي انخفاض الطلب على النفط.
المصدر: الوكالات